الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور

نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير أبو الفتح ضياء الدين

نص الكتاب

الكتاب المُصوّر

سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مبدي النعم ، أولاً وآخراً ، مسدي الولاء باطناً وظاهراً ، الذي فطر الانسان بحكمته ولطفه ، وركب فيه آلة النطق فبلغ به كمال وصفه ، فكان ذلك عليه من أتم الاحسان، أصناف الحيوان ، ولولا فضله لما ورد في القرآن المجيد ، مقروناً بالاخراج
الذي تميز به عن جميع من العدم الى الوجود ، فقال تعالى : ( الرحمن علم القرآن ، خلق الانسان ، علمه البيان » نحمده على ترادف آلائه وتهاديها ، والتحاق رائحها بناديها ، حمداً يكون بالزيادة ضميناً ، وبايلاء الخيرات قميناً ، ونصلي على رسوله محمد الصادع بأمره ، القائم بدينه في سره وجهره ، وعلى آله مصابيح الايمان وزهره ، وأصحابه ملاذ الاسلام وذخره . أما بعد فلما كان تأليف الكلام ، مما لا يوقف على غوره ، ولا يعرف كنه أمره ، إلا
بالاطلاع على علم البيان ، الذي هو لهذه الصناعة بمنزلة الميزان ، احتجت حين شدنت (۱) نبذة من الكلام المنشور ، الى معرفة هذا المذكور ، فشرعت عند ذلك في تطلبه ، والبحث عن تصانيفه وكتبه ، فلم أترك في تحصيله سبيلاً الا نهجته ، ولا غادرت في إدراكه باباً الا ولجته ،
(1) كذا ورد في الأصل . وشدن الغزال يشدن شدوناً : إذا قوي وطلع قرناه واستغنى عن أمه وربما قالوا شدن المهر « الصحاح ، قال ذو الرمة :
ذكرتك أن مرت بنا أم شادن أمام المطايا تشرئب وتمنح
>
قال المبرد في الكامل « ج
تحرك ،
ص
۲۳۱ ، من طبعة المطبعة الأزهرية » الشادن : الذي قد شدن أي
وقال بعض الشعراء المولدين :
ياما أميلح غزلاناً شدن لنا من هؤليائكن الضال والسمر
فالفعل « شدن ، لازم ولا يوائم السياق ولعل الأصل « شدوت نبذة » قال الجوهري في الصحاح الشادي : الذي يشدو من الأدب شيئاً أي يأخذ طرفاً منه كأنه ساقه وجمعه »